من "الكيت كات" إلى كندا.. ومن الأتوبيس إلى طائرات البيزنس
الدكتور هاني عبد الجواد.. جرّاح مصري يُلهم العالم بتجربته الفريدة
كتبت: سالي مزروع
حين تسمع اسمه في مؤتمرات الطب العالمية أو مستشفيات دبي وكندا، قد تظنه وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب. لكن الحقيقة أن الدكتور هاني عبد الجواد، استشاري جراحة العمود الفقري، هو نموذج نادر لمصري بدأ من الصفر، وصنع مجده بيده، وبدعاء أمه، واجتهاده الشخصي.
قبل 23 عامًا فقط، كان هاني عبد الجواد طالب امتياز حديث التخرج، يتقاضى 270 جنيهًا شهريًا. لم يكن يملك شيئًا سوى الحلم، وقلب لا يعرف الراحة. وبينما كان زملاؤه يحلمون بالراحة أو السفر، كان هو يركب الأتوبيسات بين أحياء القاهرة، بحثًا عن فرصة عمل.
من الكيت كات بدأت القصة
في مصادفة قدرية، وجد نفسه في حي الكيت كات – الذي لم يسمع به من قبل – وهناك التحق بمستوصف بسيط للعمل كطبيب شفتات، براتب 60 جنيهًا في اليوم. كان الرقم يبدو كبيرًا وقتها، لكنه لم يرض طموحه. وفي لحظة صدق مع النفس، قرر أن ما يريده لا يمكن شراؤه بالمال فقط.
القرار الذي غيّر حياته: تعلم الفرنسية
أدرك الشاب الطموح أن العالم لا يعترف إلا بمن يطوّر نفسه، فقرر تعلم لغة جديدة، واختار الفرنسية. بدأ رحلة تعليم مكثفة في المركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة، رغم أن تكلفة الكورس كانت 460 جنيهًا – أي ضعف راتبه تقريبًا.
تنقل لأشهر من الكيت كات إلى المنيرة، ثم إلى فرع مصر الجديدة في عز الصيف، دون أن يتوقف ليوم واحد. لم يكن يعلم وقتها أن هذا الجهد سيؤهله لاحقًا للحصول على زمالة جراحات العمود الفقري من جامعة مونتريال بكندا، أقوى زمالة في هذا التخصص، بتمويل سنوي تجاوز 100 ألف دولار.
من زمالة كندية إلى تكريم ملكي في السعودية
بعد سنوات من التدريب والخبرة، أصبح الدكتور هاني عبد الجواد:
استشاري جراحة العمود الفقري للأطفال والكبار
أستاذ جراحة العظام بجامعة الأزهر
حاصل على زمالتين من جامعة مونتريال (للأطفال والكبار)
خبير دولي في جراحات تشوهات العمود الفقري
وأمام هذه الإنجازات، تم تكريمه من قبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن سلطان، أمير المدينة المنورة، ومنحه الوسام الملكي تقديرًا لإسهاماته.
كما نال الوسام الماسي في دولة الإمارات العربية المتحدة بعد تحقيقه إنجازًا غير مسبوق في مستشفى آدم فيتال بدبي، حين أجرى عددًا قياسيًا من عمليات العمود الفقري خلال أسبوع واحد، منها 7 عمليات في يوم واحد.
يقول: "منذ 23 سنة كنت بجري ورا الأتوبيس، ودلوقتي بسافر بيزنس، وبنزل في فنادق خمس نجوم، والناس بتيجي لي من أنحاء العالم... لكن كل دا بدأ من تعب سنة الامتياز."
رسالة لكل من يجري خلف الأتوبيس الآن
الدكتور هاني لم ينس البدايات، ولا تعب الليالي، ولا رحلة الكورسات في الحر، ولا أول 60 جنيه قبضها. واليوم يروي قصته ليقول:
"أنا قلت الحكاية دي قبل كده، وبقولها تاني يمكن توصل لحد لسه بيجري ورا الأتوبيس، وعنده شك إن تعبه ممكن يوصله. أيوه… يوصل، ويوصل كمان لأكتر من اللي كان بيحلم بيه."
اجتهد، استثمر في نفسك، وصدّق الحلم
قصة الدكتور هاني عبد الجواد ليست فقط عن الطب، بل عن الإيمان بالذات، والاستثمار في العلم، وعدم الاستسلام للظروف. هي قصة نجاح مصري حقيقي، يصلح أن تُروى في كل قاعة محاضرات، وكل مدرسة، وكل بيت يبحث عن الأمل.